أوروبا الجديدة- تحالفات عسكرية في زمن الشكوك والتحديات
المؤلف: عبدالرحمن الطريري08.28.2025

في خضمّ التحرّكات التكتيكية المتلاحقة في منطقتنا، من تسليم أسلحة هنا وامتناع عن توريدها هناك، ومن حديث عن وقف إطلاق النار في غزّة واحتمال تجدّد الصراع بين إسرائيل وإيران، وسط هذه التكرارات الإخباريّة، يسعى المحلّلون جاهدين لإزاحة غبار المستقبل، متطلّعين لرؤية الشرق الأوسط الجديد، إن كان له وجود.
لكن السؤال الأكثر أهميّة والأسرع تشكّلًا، والذي يظلّ غائبًا، هو سؤال "أوروبا الجديدة"، أي أوروبا التي تكوّنت في الفترة بين فبراير 2022 ونوفمبر 2024، وهي الأشهر الاثنان والثلاثون التي أعقبت اندلاع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ووصولًا إلى عودة الرئيس الأمريكيّ إلى البيت الأبيض، بكلّ ما يحمله من سياسات، بدءًا من التعريفات الجمركيّة وصولًا إلى الالتزام المشكوك فيه بحماية أوروبا.
في هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس ماكرون إلى بريطانيا كزيارة دولة، وهي الأولى من نوعها منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والأولى أيضًا منذ عودة حزب العمّال إلى السلطة في لندن بعد غياب منذ عام 2010. يذكر أنّ آخر زيارة دولة لرئيس فرنسيّ إلى بريطانيا كانت زيارة ساركوزي في عام 2008.
تتضمّن أجندة الزيارة العديد من الملفّات العسكريّة الهامّة، وهي تستند إلى تطوّرات عدّة سبقتها، مثل اجتماع الناتو الأخير الذي أقرّ تخصيص 5% من ميزانيّات الدول للنفقات العسكريّة، وهي النسبة التي طالب بها الرئيس ترامب، والتي أعلنت جميع الدول التزامها بها باستثناء إسبانيا، على الرغم من أنّ العديد من الدول لم تلتزم بنسبة الـ2% التي أقرّت في اجتماع عام 2014.
هذا الضجيج المتصاعد للهواجس العسكريّة يأتي مدفوعًا أيضًا بشكوك حول التزام أمريكا بالبند الخامس من اتفاقيّة شمال الأطلسي، الذي يلزم جميع الأطراف بالتصدّي لأي هجوم تتعرّض له أي دولة عضو في الحلف. هذه الشكوك لا تتعلّق بترامب وحده، بل هناك إدراك أوروبي متنامٍ بأنّ أمريكا تتّجه نحو الانعزاليّة، حتّى لو جاء رئيس ديموقراطي لاحقًا.
من جهة أخرى، يبدو أنّ الأوروبيين عمومًا يعتقدون أنّ التحدّي الروسيّ ما زال قائمًا وخطيرًا، وأنّها مسألة وقت قبل أن تستعيد موسكو عافيتها بعد حرب أوكرانيا وتعود لمهاجمة إحدى دول حلف الناتو. هذا الاعتقاد هو ما دفع البولنديين، على سبيل المثال، للتعبير عن طموحهم في امتلاك أقوى جيش في أوروبا.
وفي سياق متصل، صرّحت أنيت إمدن، رئيسة المكتب الاتحادي للمشتريات العسكرية في ألمانيا، لصحيفة تاج شبيجل في الشهر الماضي قائلة: "يجب الحصول على كل ما هو ضروري للاستعداد الكامل للدفاع عن البلاد بحلول عام 2028". يتوافق هذا التصريح مع تصريح الجنرال الألماني كارستن بروير، الذي ذكر مؤخرًا أنّ روسيا قد تكون قادرة على "شن هجوم واسع النطاق ضد أراضي حلف شمال الأطلسي" بحلول عام 2029.
هذا التصريح قابله تصريح مماثل من جنرال متقاعد من الجيش البريطاني، السير باتريك ساندرز، الذي يتوقّع أن تهاجم روسيا إحدى دول الناتو بحلول عام 2030، وأنّ بريطانيا ستكون ملزمة بالتحرّك حينها. هذه الهواجس المتزايدة تُعدّ سببًا رئيسيًا للزيارة وتفسّر إلحاح الملف العسكري على الأجندات الأوروبية عمومًا. لكنّها أيضًا تفتح نافذة صغيرة على فكرة خبيثة، وهي: هل يسعى الأوروبيون لإطالة أمد النزاع في أوكرانيا لأطول فترة ممكنة بهدف استنزاف موسكو؟
هذا التقارب البريطاني الفرنسي لا يخلو من تطلّعات توسّعية، خاصّة بعد أن أصبحت أوروبا خالية من مشاركة قوى رئيسية مثل الصين وأمريكا وروسيا أو حتى الهند في المشاريع العسكرية المشتركة، وصولًا إلى صفقات بيع الأسلحة المحتملة، خاصّة إذا نجح الطرفان في تطوير طائرة الجيل الخامس وتجاوزا الخلافات المتعلّقة بملكيّة براءات الاختراع.
تحمل هذه الزيارة دلالات عميقة على المستوى الأوروبي، وعلى مستوى الهواجس البريطانية والفرنسية، سواء في نقاط الاتفاق أو في مواطن الاختلاف الحالية العديدة، والتي لا تخلو من ذكريات الصراع والتنافس، وبعض التقارب، لا سيما في الحربين العالميتين. ولهذا تبدو مواجهة التحديات المشتركة أكثر جذبًا للطرفين.
لكن يبقى التحدّي الحقيقي الذي يواجه الطرفين هو: إلى أي مدى سيتقبّل الأوروبيون فكرة أن تكون بريطانيا وفرنسا مجتمعتين المظلة النووية التي تحميهم، مع كلّ ما يصاحب هذا السؤال من تحدّيات الثقة؟ والسؤال اليومي الملحّ هو: إلى أي مدى سينجح الطرفان في توفير الميزانيّات المطلوبة عسكريًا، على حساب تلبية احتياجات المواطنين اليومية في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة؟
لكن السؤال الأكثر أهميّة والأسرع تشكّلًا، والذي يظلّ غائبًا، هو سؤال "أوروبا الجديدة"، أي أوروبا التي تكوّنت في الفترة بين فبراير 2022 ونوفمبر 2024، وهي الأشهر الاثنان والثلاثون التي أعقبت اندلاع الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، ووصولًا إلى عودة الرئيس الأمريكيّ إلى البيت الأبيض، بكلّ ما يحمله من سياسات، بدءًا من التعريفات الجمركيّة وصولًا إلى الالتزام المشكوك فيه بحماية أوروبا.
في هذا السياق، تأتي زيارة الرئيس ماكرون إلى بريطانيا كزيارة دولة، وهي الأولى من نوعها منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والأولى أيضًا منذ عودة حزب العمّال إلى السلطة في لندن بعد غياب منذ عام 2010. يذكر أنّ آخر زيارة دولة لرئيس فرنسيّ إلى بريطانيا كانت زيارة ساركوزي في عام 2008.
تتضمّن أجندة الزيارة العديد من الملفّات العسكريّة الهامّة، وهي تستند إلى تطوّرات عدّة سبقتها، مثل اجتماع الناتو الأخير الذي أقرّ تخصيص 5% من ميزانيّات الدول للنفقات العسكريّة، وهي النسبة التي طالب بها الرئيس ترامب، والتي أعلنت جميع الدول التزامها بها باستثناء إسبانيا، على الرغم من أنّ العديد من الدول لم تلتزم بنسبة الـ2% التي أقرّت في اجتماع عام 2014.
هذا الضجيج المتصاعد للهواجس العسكريّة يأتي مدفوعًا أيضًا بشكوك حول التزام أمريكا بالبند الخامس من اتفاقيّة شمال الأطلسي، الذي يلزم جميع الأطراف بالتصدّي لأي هجوم تتعرّض له أي دولة عضو في الحلف. هذه الشكوك لا تتعلّق بترامب وحده، بل هناك إدراك أوروبي متنامٍ بأنّ أمريكا تتّجه نحو الانعزاليّة، حتّى لو جاء رئيس ديموقراطي لاحقًا.
من جهة أخرى، يبدو أنّ الأوروبيين عمومًا يعتقدون أنّ التحدّي الروسيّ ما زال قائمًا وخطيرًا، وأنّها مسألة وقت قبل أن تستعيد موسكو عافيتها بعد حرب أوكرانيا وتعود لمهاجمة إحدى دول حلف الناتو. هذا الاعتقاد هو ما دفع البولنديين، على سبيل المثال، للتعبير عن طموحهم في امتلاك أقوى جيش في أوروبا.
وفي سياق متصل، صرّحت أنيت إمدن، رئيسة المكتب الاتحادي للمشتريات العسكرية في ألمانيا، لصحيفة تاج شبيجل في الشهر الماضي قائلة: "يجب الحصول على كل ما هو ضروري للاستعداد الكامل للدفاع عن البلاد بحلول عام 2028". يتوافق هذا التصريح مع تصريح الجنرال الألماني كارستن بروير، الذي ذكر مؤخرًا أنّ روسيا قد تكون قادرة على "شن هجوم واسع النطاق ضد أراضي حلف شمال الأطلسي" بحلول عام 2029.
هذا التصريح قابله تصريح مماثل من جنرال متقاعد من الجيش البريطاني، السير باتريك ساندرز، الذي يتوقّع أن تهاجم روسيا إحدى دول الناتو بحلول عام 2030، وأنّ بريطانيا ستكون ملزمة بالتحرّك حينها. هذه الهواجس المتزايدة تُعدّ سببًا رئيسيًا للزيارة وتفسّر إلحاح الملف العسكري على الأجندات الأوروبية عمومًا. لكنّها أيضًا تفتح نافذة صغيرة على فكرة خبيثة، وهي: هل يسعى الأوروبيون لإطالة أمد النزاع في أوكرانيا لأطول فترة ممكنة بهدف استنزاف موسكو؟
هذا التقارب البريطاني الفرنسي لا يخلو من تطلّعات توسّعية، خاصّة بعد أن أصبحت أوروبا خالية من مشاركة قوى رئيسية مثل الصين وأمريكا وروسيا أو حتى الهند في المشاريع العسكرية المشتركة، وصولًا إلى صفقات بيع الأسلحة المحتملة، خاصّة إذا نجح الطرفان في تطوير طائرة الجيل الخامس وتجاوزا الخلافات المتعلّقة بملكيّة براءات الاختراع.
تحمل هذه الزيارة دلالات عميقة على المستوى الأوروبي، وعلى مستوى الهواجس البريطانية والفرنسية، سواء في نقاط الاتفاق أو في مواطن الاختلاف الحالية العديدة، والتي لا تخلو من ذكريات الصراع والتنافس، وبعض التقارب، لا سيما في الحربين العالميتين. ولهذا تبدو مواجهة التحديات المشتركة أكثر جذبًا للطرفين.
لكن يبقى التحدّي الحقيقي الذي يواجه الطرفين هو: إلى أي مدى سيتقبّل الأوروبيون فكرة أن تكون بريطانيا وفرنسا مجتمعتين المظلة النووية التي تحميهم، مع كلّ ما يصاحب هذا السؤال من تحدّيات الثقة؟ والسؤال اليومي الملحّ هو: إلى أي مدى سينجح الطرفان في توفير الميزانيّات المطلوبة عسكريًا، على حساب تلبية احتياجات المواطنين اليومية في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة؟